إن انتشار الفيروس التاجي الجديد (كورونا فيروس) هو نتاج للثورة الرقمية والتكنولوجية التي غيرت عالمنا خلال القرن الماضي بكل ما تحمله الكلمة من معنى. فعلى عكس 'الإنفلونزا الإسبانية' التي حدثت في عام 1918 ، والتي لم تصبح وباءً دوليًا إلا بعد عام كامل ، نجد أن وباء الكورونا قد انتشر في كل أرجاء الأرض في غضون أسابيع معدودة ، متجاوزًا قدرة النظم الصحية على اختبار وتتبع واحتواء الأشخاص المشتبه في إصابتهم بالعدوى. ولقد قامت الشركات الخاصة ومؤسسات التعليم العالي بانتقال سريع إلى مؤتمرات الفيديو عن بعد والحلول الرقمية الأخرى وذلك لمواصل العمل والمحافظة على انتاجيتها بقدر الإمكان، وللأسف من ناحية أخرى نجد أن نظام الرعاية الصحية لا يزال يدير هذه الأزمة إلى حد كبير بالطريقة التقليدية
للأسف نجد أن نظام الرعاية الصحية غير مجهز للتعامل مع مثل هذا الوباء الناشئ. فبالنظر إلى الولايات المتحدة الأمريكية ونظامها الصحي المهول والمعقد نجد أن هذا النظام كان متمحور حول النموذج –التاريخي الآن- القائم على التفاعلات المباشرة بين المرضى وأطبائهم. وتم تطوير العمل الإكلينيكي والحوافز الاقتصادية إلى حد كبير لدعم وتعزيز نموذج الرعاية وجهاً لوجه ، فكانت النتيجة أن تجمع المرضى في أقسام الطوارئ ومناطق الانتظار خلال هذه الأزمة. لكي نجد ان نظامنا الصحي في انتشار الفيروس إلى الأشخاص غير المصابين بالمرض والذين يسعون للحصول على رعاية صحية لأسباب أخرى. ومن هنا نجد أن اصحاب الأمراض المزمنة و الأمراض التي تضعف المناعة واقعين بين شقي الرحى؛ بين التعرض إلى خطر الإصابة نتيجة الوجود في المستشفى أو تأخير الحصول على الرعاية الصحية لأمراضهم الأساسية
تستعد أنظمة الرعاية الصحية في الدول المختلفة للطوفان الهائل من الحالات، ويلزم ذلك أن نتخذ إجراءات عاجلة لتطوير الرعاية الصحية عن طريق إطلاق العنان للتقنيات الرقمية. على الرغم من أن بعض التقنيات الرقمية ، مثل تلك المستخدمة في الطب عن بعد ، موجودة منذ عقود ، إلا أن تأثيرهم في السوق كان ضعيفًا بسبب القيود الكثيرة وعدم توافر وسائل الدفع الداعمة لها. وقد أفاد 38 ٪ من الرؤساء التنفيذيين لنظم الرعاية الصحية الأمريكية بعدم وجود خطط للتحول الرقمي في الاستراتيجية الشاملة لشركاتهم طبقًا للاستبيان المقدم من شركة برايس ووتر هاوس كوبرز. وعن أسباب ذلك، أشار 94% منهم إلى أن لوائح الخصوصية و حماية البيانات الموضوعة تعد من أكبر العوائق أمام التوسع في هذا النهج التكنولوجي
ومع ظهور الجائحة بدأت تظهر بوادر حلول لهذه المشاكل التي تعيق انتشار تقنيات الطب عن بعد. واستجاب الكونجرس الأمريكي بتخفيف بعض القيود التي كانت تعوق وصول هذه الخدمات إلى المناطق النائية والتشجيع على استخدامها، وتعد هذه مؤشرات أولية جيدة. ولكننا في حاجة إلى استيراتيجية أوسع ترتكز على ثلاثة محاور؛ كيفية الدفع وسداد مقابل الخدمة المقدمة، اجراءات وقوانين تسهيلية أكثر، تقييم الخدمة الصحية المقدمة عن طريق هذه القنوات التفاعلية الجديدة
نحتاج إلى طرق دفع وهياكل لسداد مقابل الخدمات المقدمة لكي نستطيع أن نطور من هذا القطاع الناشيء، الخدمات المقدمة قد تكون على هيئة مكالمات صوتية أو فيديو أو محادثات كتابية وغيرها من طرق التواصل عن بعد، ونظام السداد قد يكون بناءًا على قت الخدمة أو أن يكون سعر ثابت مقابل الخدمة. وتحتاج أكواد الدفع في نظم التأمين الصحية إلى تطوير بحيث تتواءم مع هذه الخدمات الرقمية، فيجب إضافة بعض الخصائص التي تسمح بالتعديل على الأكواد والمبلغ المطلوب بناءًا على الفروقات بين الرعاية الصحية المقدمة بالطريقة التقليدية والنظام الجديد.
نحن في حاجة إلى مجموعة ثانية من الخدمات لتوسيع قدرتنا على التعامل مع الحالات الحرجة، ويأتي نموذج المستشفى المنزلي كحل بديل للمصابين بالكورونا أو المحتاجين إلى رعاية أولية، وعلى الرغم من التوصيف الجيد و توفير طرق الدفع لهذا النظام ولكن لم يتم تبنيه على نطاق واسع حتى الآن. ونجد أيضا أن أحد الخدمات المهمة الآن هي الأشراف على الناس في الحجر الصحي، فالنظام الصحي مطالب بالأشراف ومتابعة عدد كبير من الناس بشكل يومي في ظل الظروف الحالية، ويمتلك التحول الرقمي القدرة على المساعدة أيضًا في هذه الخدمة،ولكننا نجد أن طرق الدفع لنظم المتابعة عن بعد تحتاج إلى تطوير لمواكبة هذه التغيرات التكنولوجية، فنحن في حاجة إلى الموافقة على أجهزة المتابعة الرقمية
وبالإضافة إلى ما سبق فنحن في حاجة ماسة إلى تحديث القوانين الخاصة بالخصوصية و تنظيم التواصل، حيث تشكل هذه القواعد القديمة حاجزًا كبيرًا أمام تبني التقنيات الرقمية الحديثة والاستفادة من كل ما تقدمه من مميزات. ويمكن لوزارة الصحة والخدمات البشرية الأمريكية أن تعمق وتسرع من عملية التغير الرقمي عن طريق إعادة تعريف نطاق الخدمات الصحية المقدمة عن بعد ليشمل الأدوات الرقمية الأخرى غير الصوتية أو الفيديو. وبدأت خطوات تسهيلية من الوزارة و مكتب الحقوق المدنية بهدف التسريع من عملية طرح الحلول الرقمية في السوق في هذه الفترة الحرجة و الصعبة.
ويعد تقديم طرق لتقييم خدمات الرعاية الصحية الرقمية هو الركيزة الثالثة والأخيرة المطلوبة، حيث طالما تخوف الكثيرون من الاخطاء و التزوير الذي قد ينجم عن تبني مثل هذه الخدمات. ومن ثم فيجب علينا التأكد من أن مثل هذه الخدمات سوف يتم استخدامها بصورة صحيحة من قبل جميع الأطراف، والأهم أنها تقدم لنا إضافة حقيقة و تطوير ملموس في الرعاية الصحية المقدمة؛ مما يمكننا من الحكم عليها وتحديد الموقف منها في المستقبل
العالم الآن مختلف تمامً عما كان عليه في 1918، فلحسن الحظ نحن نمتلك الكثير والكثير من الأدوات التقنية التي قد تساعدنا في رعاية مرضانا و الحفاظ عليهم في مثل هذه الظروف الاستثنائية فلا يجب علينا أن نهدر مثل هذه الإمكانيات بل يجب أن نوظفها جيدًا للاستفادة منها بأقصى درجة.
تم ترجمة هذا التقرير من موقع مجلة نيو انغلاند جورنال أوف ميديسن الصادر بتاريخ 2/4/2020